هل تجمع صلاة العشاء مع المغرب بسبب الحظر ؟!

*لمّا كان حظر التجول الذي قرّر في البلاد في هذه الأيام كأحد الإجراءات الاحترازية لتفشي وباء (كورونا) يبدأ متزامناً مع صلاة المغرب فإن كثيراً من الإخوة قد أرسل مستفسراً عن حكم جمع صلاة العشاء مع صلاة المغرب وأدائها في المسجد ، حيث يدخل وقت الحظر بعد أدائهم صلاة المغرب أو يتزامن مع أدائها.
وقد بيّنتُ أنهم يصلون المغرب جماعة في المسجد إذا كان أداء الصلاة قبل دخول وقت الحظر ولا يجمعون مع صلاة المغرب صلاة العشاء ، بل يصلونها في بيوتهم جماعة مع أهلهم ؛ وذلك لأن الحظر ليس من أسباب الجمع ، فهو سبب لأداء صلاة الجماعة في البيت مع الأهل لكنه ليس سبباً لجمعها في المساجد مع صلاة المغرب.

*وقد أرسل إلي بعضهم أن بعض الناس قد أفتوهم بجواز هذا الجمع مستدلاً بحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر… قيل لابن عباس ما أراد إلى ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته ، رواه مسلم وغيره.
*فأردتُ أن أفيد الإخوة الكرام ببعض ما ورد عن أهل العلم ومسالكهم في شرح هذا الحديث ، وقبل ذلك فإنه بمراجعة هذا الحديث في صحيح مسلم وجدت أن الحديث الذي أورده قبله الإمام مسلم هو : (عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. قال فقلت ما حمله على ذلك قال – أي الراوي عن معاذ بن جبل – فقال – أي معاذ بن جبل – : أراد أن لا يحرج أمته).

*وممن جمعوا مسالك أهل العلم في هذا الحديث الحافظ ابن رجب في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري) وألخّص قوله فيما يلي :
اختلفت مسالك العلماء في حديث ابن عباس هذا ، في الجمع من غير خوف ولا سفر ، ولهم فيه مسالك متعددة :

المسلك الاول :
أنه منسوخ بالإجماع على خلافه ، وقد حكى الترمذي في آخر “كتابه ” أنه لم يقل به أحد من العلماء ، وهؤلاء لا يقولون : إن الإجماع ينسخ ، كما يحكى عن بعضهم ، وإنما يقولون : هو يدل على وجود نص ناسخ .
المسلك الثاني :
معارضته بما يخالفه ، وقد عارضه الإمام أحمد بأحاديث المواقيت ، وقوله : “الوقت ما بين هذين” ، وبحديث أبي ذر في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وأمره بالصلاة في الوقت ، ولو كان الجمع جائزاً من غير عذر لم يحتج إلى ذلك ، وكذلك في حديث أبي قتادة ، عن النبي (أنه قال لما ناموا عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس : “ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الاخرى” خرجه مسلم.
المسلك الثالث :
حمله على أن النبي (أخر الظهر إلى آخر وقتها ، فوقعت في آخر جزء من الوقت ، وقدم العصر في أول وقتها ، فصلاها في أول جزء من الوقت ، فوقعت الصلاتان مجموعتين في الصورة ، وفي المعنى كل صلاة وقعت في وقتها ، وفعل هذا ليبين جواز تأخير الصلاة [ إلى ] آخر وقتها .
وقد سبق عن عمرو بن دينار وأبي الشعثاء ، أنهما حملا الحديث على هذا الوجه ، كما خرجه مسلم ، وأشار اليه الإمام أحمد وغيره .
المسلك الرابع :
أن ذلك كان جمعا بين الصلاتين لمطر ، وهذا هو الذي حمله عليه ايوب السختياني كما في رواية البخاري ، وهو الذي حمله عليه مالك – أيضا .
ومن ذهب إلى هذا المسلك فإنه يطعن في رواية من روى : ” من غير خوف ولا مطر ” كما قاله البزار وابن عبد البر وغيرهما .
المسلك الخامس :
أن الذي نقله ابن عباس عن النبي ( إنما كان في السفر لا في الحضر ، كما في رواية قرة ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن ذلك كان في غزوة تبوك ، وقد خرجه مسلم.
المسلك السادس :
أن جمعه ذلك كان لمرض ، وقد روي عن الإمام أحمد ، أنه قال : هذا عندي رخصة للمريض والمرضع .
المسلك السابع :
أن جمعه كان لشغل ، قال ابن رجب : وفي ذلك نظر.

المسلك الثامن :
حمل الحديث على ظاهره ، وأنه يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر بالكلية ، وحكي ذلك عن ابن عباس وابن سيرين ، وعن أشهب صاحب مالك .
وقد ألمح الحافظ ابن رجب – رحمه الله – في ختام تعليقه على المسلك الثامن بقوله : هذا الذي زاده في ” كتاب المسائل ” يبين أن أحمد حمله على تأخير الصلاة الأولى إلى آخر وقتها ، وتقديم الثانية إلى أول وقتها ، كما حمله على ذلك أبو الشعثاء وعمرو بن دينار وغيرهما كما سبق . والله أعلم . انتهى ملخصاً كلام الحافظ ابن رجب.

*وقال الإمام النووي – رحمه الله – في شرحه على صحيح مسلم : (وقد قال الترمذي في آخر كتابه : ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر ، وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة . وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قال ، فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه . وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به ، بل لهم أقوال . منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر ، وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين…) وسرد جملة من الأقوال التي ذكرها ابن رجب في المسالك أعلاه.

*وقد بيّن بعض أهل العلم أنه جمع قبل أن تستقر الشريعة في وجوب كل صلاة في وقتها وعدم جواز الجمع إلا من علة، ثم استقرت الشريعة على أنه لا يجوز الجمع إلا لعلة واضحة من مرض أو نحوه أو سفر ، وهذا نفسه هو المسلك الأول الذي ذكره الحافظ ابن رجب من أن ما ورد في حديث ابن عباس (منسوخ).

* ومن أهل العلم المعاصرين الذين علّقوا على الحديث تعليقاً وافياً سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – حيث قال :
(قال أهل العلم: معنى ذلك لئلا يوقعهم في الحرج. وهذا محمول على أنه ﷺ جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة لسبب يقتضي رفع الحرج والمشقة عن الصحابة في ذلك اليوم؛ إما لمرض عام، وإما لدحض، وإما لغير ذلك من الأعذار التي يحصل بها المشقة على الصحابة ذلك اليوم.
وقال بعضهم: إنه جمع صوري وهو أنه أخّر الظهر إلى آخر وقتها وقدّم العصر في أول وقتها، وأخّر المغرب إلى آخر وقتها وقدّم العشاء في أول وقتها. وقد روى ذلك النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس راوي الحديث وهو محتمل.
ولم يذكر ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الحديث أن هذا العمل تكرر من النبي ﷺ، بل ظاهره أنه إنما وقع منه مرة واحدة.
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله ما معناه: إنه ليس في كتاب -يعني الجامع- حديث أجمع العلماء على ترك العمل به سوى هذا الحديث، وحديث آخر في قتل شارب المسكر في الرابعة.
ومراده: أن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز الجمع إلا بعذر شرعي، وأنهم قد أجمعوا على أن جمع النبي ﷺ الوارد في هذا الحديث محمول على أنه وقع لعذر؛ جمعًا بينه وبين بقية الأحاديث الصحيحة الكثيرة الدالة على أنه ﷺ كان يصلي كل صلاة في وقتها ولا يجمع بين الصلاتين إلا لعذر، وهكذا خلفاؤه الراشدون وأصحابه جميعًا رضي الله عنهم ، والعلماء بعدهم ساروا على هذا السبيل، ومنعوا من الجمع إلا من عذر، سوى جماعة نقل عنهم صاحب النيل جواز الجمع إذا لم يُتخذ خلقًا ولا عادة وهو قول مردود للأدلة السابقة وبإجماع من قبلهم.
وبهذا يعلم السائل أن هذا الحديث ليس فيه ما يخالف الأحاديث الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الجمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي، بل هو محمول على ما يوافقها ولا يخالفها؛ لأن سنة الرسول ﷺ القولية والفعلية يصدق بعضها بعضًا ويفسر بعضها بعضًا ويحمل مطلقها على مقيدها ويخص عامها بخاصها. وهكذا كتاب الله المبين يصدق بعضه بعضًا ويفسر بعضه بعضًا، قال الله سبحانه: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) هود:1، وقال : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ) الآية الزمر:23.
والمعنى: أنه مع إحكامه وتفصيله يشبه بعضه بعضًا ويصدق بعضه بعضًا، هكذا سنة رسوله ﷺ سواء بسواء. والله ولي التوفيق) انتهى.

RSS
Follow by Email
Share
alsancak escort
kartal escort
Kamagra
Mrcasino