براءة دين الإسلام من افتراءات وأكاذيب (الأقزام).. رد على المدعو (خالد سلك)

في مقطع مرئي متداول في الوسائط ومواقع التواصل في الأيام الماضية، قال المتحدث فيه ويسمى (خالد سلك) إن الدولة الدينية هي التي مزّقت السودان، وأن أهل السودان تضرّروا من الدولة الدينية في الثلاثين سنة الماضية وقبلها، مستشهداً بطرد (الشيوعيين) من برلمان عام 1965م متباكياً عليهم، مطالباً بأن الدولة السودانية يجب أن تكون ذات دستور (علماني) ولا تحكم بدين واحد ولا تنحاز إلى دين واحد!! مدعياً أن هذا يجب أن يكون مطلب جميع الشعب السوداني !! فهو ــ ويا للعجب ــ قد نصّب نفسه متحدثاً وناطقاً رسمياً باسم الشعب السوداني المسلم!!
قلت: فلينضبط هذا (الرويبضة) (المفتري)؛ فإن الصغير قبل الكبير يعلم ما كان عليه الحال، سواء في العهد السابق حكومة (الإنقاذ) أم ما سبق ذلك من أنظمة وحكومات منذ الاستقلال، فإن (حياة غير المسلمين في السودان)، علماً بأن النصارى والوثنيين حالياً لا يزيد عددهم عن (2% أو 3 %) من السكان، كانوا ومازالوا يعيشون في السودان أحسن أوضاع (الأقليات) في العالم كله، وذلك في شتى ولايات السودان، في العاصمة وفي المدن والقرى، وطبيعة الشعب السوداني في تعايشه بالحسنى هي مضرب مثل لدى شعوب العالم.
وإن دين الإسلام الحق يُعرف بالكتاب والسنة وبما كان عليه الحال في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد خلفائه الراشدين ومن سار على نهجهم القويم، إذ عاش غير المسلمين مع المسلمين بضوابط شرعية معلومة، ويعرف دين الإسلام بالحدود التي وردت في الكتاب والسنة والتي كان من ثمارها أن غير المسلمين الذين عاشوا مع المسلمين كانوا يفضلون حكم المسلمين عليهم على حكم بني جلدتهم، وفي ذلك شهادات موثّقة من نصارى وغيرهم سطرت في التاريخ، ومن السهل الوصول إليها لمن صلحت نيته وتجرد من (الهوى) فإن الهوى يعمي ويصم!!
ومن نماذج شهاداتهم المنصفة بجمال وجلال حكم المسلمين لهم ما شهد به (السير توماس آرنولد) في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) الذي كتب فيه عن تاريخ نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء العالم، وكيف أن دعاة الإسلام نشروا دعوتهم بين أقوام عرفوا بالشدة والخروج على كل نظام أو قانون حتى أسلموا، وصاروا دعاة يهدون غيرهم.
يقول: (لم نسمع عن أية محاولة مدبرة، لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين)، ويزيد آرنولد في بيان تسامح المسلمين فيقول: (لا يسعنا إلا الاعتراف، بأن تاريخ الإسلام، في ظل الحكم الإسلامي يمتاز ببعده بعداً تاماً عن الاضطهاد الديني).
وهذه شهادة منصفة أخرى يؤديها (ول ديورنت) في كتابه (قصة الحضارة)، حيث يقول: (لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزردشتيون واليهود والصابئون يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من أداء ضريبة عن كل شخص، تختلف باختلاف دخله).
ولو رغبت في النماذج من هذا القبيل لطال المقام، وكيف لا تكون شهادتهم كذلك والله تعالى قد أمر المسلمين بحسن التعامل مع غيرهم، يقول تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، فهذه الآية تقرر أسس التعامل مع غير المسلمين من الذين ذكر أوصافهم الله تعالى في الآية الكريمة، أنها البر والقسط إليهم، بكل ما يقتضيه معنى البر من الخير، والقسط من عدل، وخاتمة الآية :(إن الله يحب المقسطين)، تدعو كل مسلم، أن يسارع في تنفيذ ما يحبه الله.
نعم عاشوا بين المسلمين عبر التأريخ الطويل بضوابط معلومة؛ فإن الإسلام قد كفل لغير المسلمين أموراً كثيرة، ولم يكره أحداً على الدخول فيه (لا إكراه في الدين) وحدّد كيفية تعامل المسلمين مع غيرهم ــ خاصة إذا عاشوا في بلد واحد ــ ويتمتع غير المسلمين بالمساواة أمام القانون في الحقوق، وهو أمر رباني لا يحتمل مساومة، يقول تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).. فهذه الآية الكريمة تأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، مسلمين أم غير مسلمين، كما تقضي بأن يلتزم العدل في الحكم بين الناس كلهم، دون تمييز، بسبب اختلاف الدين، أو العنصر، أو الثقافة، أو الجنس، أو اللون.
والمؤمنون مأمورون ديناً بأن يكونوا قوامين بالقسط في كل موقف، لقوله تعالى :(يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، وإن الأحكام الشرعية التي وردت في دين الإسلام في شأن التعامل مع أهل الملل الأخرى والديانات وما اختص به أهل الكتاب عن غيرهم في الذبائح والطعام والزواج والبيع والشراء من الكفار عموماً واضحة معلومة لا تتناقض ولا تختلف.
وفي الفقه الإسلامي مصطلح: (أهل الذمة)، فإن الذمة في لغة العرب تعني (العهد والميثاق) قال تعالى: (لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة) أي عهد، فالدولة الإسلامية تبرم عهداً مع غير المسلم (أهل الكتاب ويدخل معهم المجوس في قول الجمهور) إذا عاشوا بين المسلمين، وبموجب هذا العقد، يصير غير المسلمين كالمسلمين، في حرمة الدماء، والأموال، يقول صلى الله عليه وسلم :(من قتل معاهداً لم ير رائحة الجنة)، ويقول في حديث آخر: (ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ شيئاً منه بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة). وإن الدولة الإسلامية تحميهم، وأحياناً تسقط أخذ الجزية ولا تأخذها منهم إذا لم توفر الحماية لهم، وكل ذلك محفوظ بنماذجه المشرقة في تاريخ المسلمين، لاسيما ما كان في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
واستقر هذا الفقه يسود في العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة، واستمر إلى زمن المماليك، واتساقاً مع موقف المسلمين الثابت في حماية غير المسلمين من أهل ذمتهم في دمائهم وأموالهم، أنه لما أراد أحد سلاطين التتار أن يطلق سراح أسرى المسلمين، دون النصارى، اعترضه شيخ الإسلام ابن تيمية، لأنه يرى أن يسري في حقهم ما يسري في حق المسلمين لأن لهم عهداً وذمة، وأنه إن لم يطلق سراحهم جاهد المسلمون واستأنفوا القتال، لافتكاكهم .. ولابن تيمية رسالة مشهورة بهذا الخصوص، اسمها (الرسالة القبرصية).
وفي المقابل فإنه لا يسمح لهم بنشر عقائدهم التي بيَّن القرآن الكريم والسنة النبوية ضلالها وكفرها، وطالما أن (97%) من أهل البلاد يدينون بدين الإسلام فإن دين البلاد هو دين الإسلام ومن يعيشون معهم تسري عليهم أحكام (الأقليات) ويجب أن يعيشوا وفق الضوابط والأحكام الشرعية.
والخلاصة؛ فإن التعامل بين المسلمين وغيرهم من الملل الأخرى في السودان على اختلاف الحكومات في العقود السابقة كان يسير على حال واحدة وهي استقرار وتعامل بالحسنى.
وأما الشيوعيون الذين استشهد بهم وتباكى عليهم هذا (الرويبضة) فإنهم حتى في عهد حكومة الإنقاذ كانوا يسرحون ويمرحون ويستضافون في الإذاعات والقنوات ويكتبون في الصحف، بل خرج زعيمهم محمد إبراهيم نقد في مظاهرة لها قصة شهيرة بميدان (أبو جنزير) وسط الخرطوم لكنه لم يجد رفاقه الذين قاموا بالدعوة إلى مظاهرة وكتب لهم في قطعة (كرتون) متندراً (حضرنا ولم نجدكم) !! بل في عهد الإنقاذ ترشح بعض الشيوعيين لمنصب رئيس الدولة!! وأما وضعهم في الانتخابات في 1965 و 1986 وما حققوه من عدد مقاعد ربما أقل من 1% فهو كافٍ لتعرف من هم وما حجمهم وما حكم الشعب السوداني المسلم فيهم؟! فإن الشيوعية كالشيعة الرافضية نبتٌ لا تقبله أرض السودان، وحكم الشعب السوداني المسلم على الشيوعية ثابت لا يتغير مهما جاءوه بأسماء أخرى ومهما تسوروا الجدران وأتوا باللف والدوران!!
ألا فليكف هؤلاء من استفزاز الشعب السوداني المسلم، وليخرس هذا اللسان الذي يحاكم دين الإسلام بالأكاذيب والافتراءات، وهو الدين الذي ختم به الله تعالى به الأديان، ورضيه لنا ديناً، ولا أدري هل هذا المدعو مازال يقرأ قول الله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)؟! وهل يعمل بهذه الآية؟!
أقول:
إن هذا النوع من الأدعياء الذين ابتلينا بهم ينادون بدولة علمانية ويرددون أنهم لا يريدون دعوة دينية، وربما صرّحوا بأن موقفهم من كل الأديان واحد، والواقع يشهد أنهم يريدون ديناً ويسعون لنصرة عقيدة وملة هي: (عداء الإسلام)!! وفي المقابل تجدهم يحتفون بالأديان الأخرى غير دين الإسلام، حتى أصحاب الديانات الوثنية وعبّاد الحجارة لا يمسونهم بسوء وإن صغر بل يظهر من صنيعهم تبجيلهم!! وإنما حربهم على الإسلام!!
قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30).

RSS
Follow by Email
Share
alsancak escort
kartal escort
Kamagra
Mrcasino