السودان: بروفيسور عارف الركابي يكتب: (قانون التعديلات المتنوعة) يصادم ثوابت المسلمين (2)

بروفيسور عارف الركابي

لا طفولة بعد البلوغ

عند غير المسلمين في (الغرب) وغيره سن الطفولة تمتد حتى الثامنة عشرة ، وأن من دون ذلك يوصف بأنه طفلٌ !! والعجيب أن بعد بلوغ سن الثامنة عشرة مباشرة يكون الذكر أو الأنثى حراً حرية مطلقة ، فيعلّمون الفتيات والفتيان بأنه ليس لوالديهم التدخل في شؤونهم الخاصة أو العامة ، وأن لهم مقاضاة والديهم في حال وقوفهم أمام رغباتهم مهما كانت تلك الرغبات !! وبسبب ذلك حصل لبعض المسلمين الذين يعيشون في تلك البلاد من ضياع الأبناء ما تفطّرت له القلوب ، حتى إن بعض الأسر لتفاجأ أن ابنتهم تأتيهم بصديقها وتدخله غرفتها في بيت والديها !! والأبوان يتفرّجان !! وهذه القضية هي كارثة اجتماعية وقع كثيرٌ من الناس فيها وتعذّبوا في الدنيا بها ، ولم يجدوا طعم الحياة السعيدة الشريفة بعد وقوعهم ضحايا لها ، وذلك بسبب القوانين التي سنّها أولئك الكفار لأجل نشر الفوضى والإباحية وتشريع العلاقات المفتوحة بين الجنسين باسم (الحرية الشخصية) ، وقد كتب كثير ممن اكتووا بتلك النيران وكتاباتهم منشورة ولا ينفع الندم (بعد وقوع الفأس في الرأس) !!

وهذا الأمر بحاجة إلى أن يسلّط عليه الضوء ويحظى بالمناقشة والبحث والمناصحة والمعالجة بدل أن تدفن الرؤوس في الرمال ، ولا بارك الله في اغتراب وكسب مال وشهادات وأموال ثمنها ضياع الأبناء فلذات الأكباد وضياع الأعراض !!

وقد تضمّنت التعديلات المعلن عنها قبل أيام والتي سميت قانون التعديلات المتنوعة (إلغاء وتعديل الأحكام المقيدة للحريات) لسنة 2020م ، وهي تعديلات على القانون الجنائي لسنة 1991م !! ورد فيه ما يلي : (في المادة 3 : يحذف التفسير المقابل لكلمة “بالغ” ويستعاض عنه بالتالي : “كل شخص أكمل سن الثامنة عشر من عمره).

ولمّا كان هذا المفهوم وهو ترتيب الحكم على سن الثامنة عشرة دون سن البلوغ يخالف النصوص الشرعية الثابتة ، ويناقض ثوابت المسلمين أردت بيان أن الشرع المطهر الذي أنزله الله عز وجل ، وبلغه خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام يعتبر أن الطفولة تنتهي مرحلتها بالبلوغ ، وإن أحكام ما بعد البلوغ تختلف عن أحكام ما قبل البلوغ .. ومن ذلك أن من بلغ الحلم لا يوصف بأنه يتيم بعد ذلك ، ويرتفع عنه (اليتم) ، عن على بن أبى طالب رضي الله عنه قال : حفظت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – « لا يتم بعد احتلام».رواه أبو داود وغيره.

وقد قال الله تعالى : (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59).
وقد ربط الله تعالى في الآية بين بلوغ الحلم وبين من سبقوهم قبل ذلك ، وأمر استئذان الأطفال بعد بلوغ الحلم كما يستأذن الذين بلغوا هذه المرتبة من قبلهم.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.

قال نافع فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا الحديث فقال إن هذا لحد بين الصغير والكبير وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة. رواه البخاري وغيره.

فجعل عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – سن الخامسة عشرة حدّاً بين الصغير والكبير ، وهي السن التي يحصل فيها البلوغ غالباً ..

عن عطية القرظي قال : كنت فيمن حكم فيهم سعد بن معاذ فشكوا في أمن الذرية أنا أم من المقاتلة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أنظروا فإن كان أنبت الشعر فاقتلوه وإلا فلا تقتلوه ).

وعنه قال كنت من سبى بنى قريظة فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكنت فيمن لم ينبت. رواه أبو داود وغيره.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه في الجزية حين بعثه إلى اليمن: (خُذْ من كل حالم دينارا).رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
وغيرها من النصوص التي بيّنت اعتبار الشرع للبلوغ في الذكور والإناث للتفريق بين الطفولة وغيرها.

وقد علّق في التشريع الإسلامي أحكام كثيرة على البلوغ وجاء التفريق بين الصغار والكبار بالبلوغ ، وإن تبديل ذلك بقانون الكفار يترتّب عليه الخلل الكبير ..

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء الأجناد ألا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي .. أي أنبت الشعر وهو أحد علامات البلوغ. رواه البيهقي وغيره.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : (أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والحيض في النساء هو البلوغ الذى تلزم به العبادات والحدود والاستئذان وغيره ، وأن من بلغ الحلم فأونس منه الرشد جازت شهادته ولزمته الفرائض وأحكام الشريعة ؛ لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : (غسل الجمعة واجب على كل محتلم ) فعلق الغسل بالاحتلام . وببلوغ الحلم وإيناس الرشد يجوز دفع ماله إليه ؛ لقوله : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم ) ، وبلوع النكاح هو الاحتلام).

وقال العيني في عمدة القارئ : (ومما يستفاد منه أن من استكمل خمس عشرة سنة أجريت عليه أحكام البالغين وإن لم يحتلم فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود ويستحق سهم الغنيمة ويقتل إن كان حربيا وغير ذلك من الأحكام).

إن من بلغ هذا السن عاقلاً يكون مكلفاً مسؤولاً عن كل ما يصدر منه من أقوال وأفعال، والحكمة في ذلك، ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر فقال : (والحكمة في تعليق التكليف بخمس عشرة سنة : أن عندها بلوغ النكاح وهيجان الشهوة والتوقان ، وتتسع معها الشهوات في الأكل والتبسط ودواعي ذلك، ويدعوه إلى ارتكاب ما لا ينبغي ، ولا يحجزه عن ذلك ويرد النفس عن جماحها إلا رابطة التقوى وتشديد المواثيق عليه والوعيد، وكان ذلك قد كمل عقله واشتد أسره وقوته، فاقتضت الحكمة الإلهية توجه التكليف إليه، لقوة الدواعي الشهوانية، والصوارف العقلية ، واحتمال القوة للعقوبات على المخالفة).

هذا ما ثبت في الشريعة الإسلامية وبيّن وفصّل في الفقه الإسلامي ، ولبعض العلماء اجتهادات فردية لم توافق الصواب ، وإن الحق لا يصادم بأقوال الرجال ولا يضرب بها ، وكلٌ يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم .. ونحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله …

RSS
Follow by Email
Share
alsancak escort
kartal escort
Kamagra
Mrcasino