السودان: بروفيسور عارف الركابي يكتب: رسالة في بريد قوات الشعب المسلحة

بروفيسور عارف الركابي

إن من الأمور الضرورية التي يجب تأكيدها بوضوح في هذه الفترة الحرجة من تأريخ هذا البلد المسلم الكريم ، أن حكم بلدنا المسلم يكون بدين الإسلام ، فهو اختيار غالبية أبناء هذا الشعب المسلم بكل مستوياتهم ، والناس بحاجة إلى أن يطمئنوا أن دين هذه البلاد ودنياها وأمنها وأمانها – وهي تمر بهذه الفترة الحرجة – في أيدٍ أمينة ، ولدى أصحاب عقول حكيمة ، والمعوّل بعد الله تعالى على القوات المسلحة لتقوم بما يجب ويتحتّم عليها تجاه المسؤولية التي تحمّلوها في أعناقهم ، وسيسألهم الله تعالى عنها ؛ فإني أجد نفسي وانطلاقاً من محبتي لبلدي الحبيب ، وأهله ، ومن حرصي على أمن وطننا العزيز وأمانه واستقراره ، وأداء لواجبي في النصح والتذكير ، وإبراء للذمة ، أجد نفسي مذكّراً قيادة القوات المسلحة بوجه الخصوص والجهات الأمنية بصفة عامة ، وهي ذكرى لعامة لأبناء هذا البلد العزيز بمختلف أعمارهم واتجاهاتهم ، فأقول :

*إن من أوجب الواجبات معالجة الأمور في أوانها وعدم التفريط فيها قبل استفحالها : قال مروان بن محمد – في أواخر أيام الدولة الأموية – : (وا لهفتاه على دولة ما نصرت ، وكف ما ظفرت ، ونعمة ما شكرت) ، فقال له خادمه : (من أهمل الصغير حتى يكبر، والقليل حتى يكثر، والخفي حتى يظهر، أصابه مثل هذا).

*إن هيبة الحاكم – خاصة من يرعى أمن البلاد وأهلها ويقوم على حراستهم وتأمين أنفسهم – من ضروريات العيش في أمن وأمان ؛ فإن الحاكم والمسؤول يقوم بأعمال ويصدر قرارات وبحاجة لأن تكون له (هيبة) في قلوب رعيته وإن من يتأمل النصوص الواردة في هذا الباب وأقوال السلف الصالح يعلم أن الشارع الحكيم إنما أمر بتوقير الولاة وتبجيلهم والتلطّف معهم ، ونهى عن سبهم وانتقاصهم لحكمة عظيمة ومصلحة كبرى، وقد أشار إلى طرف من ذلك الإمام شهاب الدين القرافي المحقق الأصولي الفقيه المالكي فقال: «قاعدة ضبط المصالح العامة واجب ولا ينضبط إلا بعظمة الأئمة في نفس الرعية ، ومتى اختلفت عليهم أو أهينوا تعذرت المصلحة..».

وإن المصالح التي يجريها الله على يد الحاكم والمسؤول والتي أشار إليها العلامة القرافي هي من الضروريات التي تحتاجها الرعية، وإن إعطاء الحاكم القائم على الأمور الأمنية للبلاد هيبته ومكانته وتوقيره لهو من الأمور المهمة لتكون للحاكم في نفوس الرعية التقدير والاحترام لتستجيب لأوامره ونواهيه مما لا يخالف حكم الله تعالى.

* وفي تأكيد وتفصيل المصالح المشار إليها يقول الفقيه القلعي الشافعي وهو يبين مصالح الحاكم ومقاصد الإمامة : «نظام أمر الدين والدنيا مقصود، ولا يحصل ذلك إلا بإمام موجود. لو لم نقل بوجوب الإمامة، لأدى ذلك إلى دوام الاختلاف والهرج إلى يوم القيامة. لو لم يكن للناس إمام مطاع، لانثلم شرف الإسلام وضاع. لو لم يكن للأمة إمام قاهر، لتعطلت المحاريب والمنابر، وانقطعت السبل للوارد والصادر. لو خلي عصر من إمام، لتعطلت فيه الأحكام، وضاعت الأيتام، ولم يحج البيت الحرام. لولا الأئمة والقضاة والسلاطين والولاة، لما نكحت الأيامى، ولا كفلت اليتامى. لولا السلطان، لكان الناس فوضى، ولأكل بعضهم بعضا».

*منهج الصحابة الكرام والتابعين والأئمة الراسخين واضح وبيّن في ضرورة قيام الحاكم بواجباته ، ومن ذلك حفاظه على الأمن والأمان يلخصه قول العالم العابد المجاهد الزاهد المحدث المنفق عبد الله بن المبارك :

الله يدفع بالسلطان معضلة ** عن ديننا رحمة منه ودنيانا
لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل**وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
هذه الأبيات قالها هذا الإمام العالم المحدث العالم العابد المجاهد الجهبذ إدراكا منه لعظم نعمة الأمن والأمان.. إذ بدون الأمن الضياع للدين والأنفس والعقول والأعراض والأموال..
وقد قال بعض السلف : ستون سنة مع حاكم ظلوم خير من فتنة تدوم .. وستون سنة مع إمام ظالم خير من ليلة بلا إمام ، وهو للأسف ما تعيشه مناطق كثيرة في بلدنا المكلوم في هذه الفترة ، من حروب جهوية وعنصرية قبلية ، وانتشار للمجرمين في العاصمة والولايات ، والناس تنظر إلى الجهات الأمنية لبسط هيبة الدولة ، والعناية بالأمن والأمان والحسم والحزم للمتفلتين ومن يهددون أمن البلاد واستقرارها..

هكذا قال سلفنا الصالح رحمهم الله .. وفي قصص التاريخ عبر لذلك.. كما أن الواقع الحالي خير شاهد لما قالوه مما حصل في بعض الدول في تاريخنا المعاصر .. ومن أراد فليسمع من أهل سوريا والعراق وليبيا واليمن.. ونخشى بما نراه من حالنا أن نكون ممن اتعظ بنفسه لا بغيره.

*وإن من أهم مقومات الحكم في الإسلام : الحزم وبسط القوة وإظهار الهيبة فإنه بذلك بعد توفيق الله تعالى تحفظ الضرورات الخمس “الدين والنفس والعقل والعرض والمال” ولا تحفظ هذه الضرورات من جانب الوجود أو العدم إلا ببسط الأمن وتحقق الأمان..

أما ما يسمى بحق التظاهر السلمي وحق الفوضى الخلاقة وما يعرف بالتداول السلمي للسلطة والحكم بالديمقراطية وما نحا هذا النحو فإنه من التلاعب ومما اخترعته أمم الضلال وقلدها فيه كثير من المسلمين وليست هي بالسبيل القويم ولا النهج المستقيم حتى لو أظهر قبولها بعض الحكام أنفسهم .. فما أسوأ خروقها وما أكثر مآسيها!! خاصة في بلادنا يسر الله أمر أهلها وأصلح حالهم.. وهداهم إلى ما فيه خيرهم.. ولن تصلح أمور هذه الأمة إلا بما صلح به أولها..

*إن (خرافة) إن الشارع هو من يحكم الناس، وهو الذي يقول لهم إن هذا صواب وهذا خطأ وهو الذي يحركهم يمنة ويسرة .. هي مكيدة ماكرة لتقنين الفوضى وإقرار مبدأ حكم القوي على الضعيف وحث على العمل بتشريع الغابة. وقد ضحك بعض أهل الأمم الكافرة على بعض المسلمين بلعبة (الديمقراطية).. وواقع حالهم يحكي أنهم يناقضونها متى ما خالفت أهواءهم وأمزجتهم.
لكنهم بما سمي بالفوضى الخلاقة حققوا كثيرا من الدمار في بعض بلاد المسلمين دون أن يكلفوا أنفسهم شيئا.. بل قد حققوا أرباحا لا تخفى..فارجع إلى دينك يا عبد الله وأنت يا أمة الله.. واعقلوا أن الصحابة الكرام قد قدموا مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة للمسلمين قبل دفن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم..

*أن من أبطل الباطل ما يردد ويرسّخ في أذهان بعض الناس وهو قول البعض : إن الحاكم هو الشارع !! والشرعية تؤخذ من الشارع !! وشرعية الشارع اليوم تغير شرعية شارع الأمس!!وكل يدعي أن الشارع له ..!! وينتج عن ذلك أن الفوضى هي التي تحكم !!وشريعة الغابة هي التي تسود!!وأمور الناس لا تستقر على حال !! ويفلح الأعداء في نجاح مخططاتهم !!

أسأل الله تعالى أن تذهب هذه الغمة وتسفر هذه (المحن) التي نعيشها بــ (منح) تظهر في أمن هذه البلاد واستقرار أهلها واجتماع شملهم على الحق وتراحمهم وتآزرهم ورغد عيشهم ، وأن يوفق قوات الشعب المسلحة السودانية للقيام بما يجب عليها تجاه هذا البلد ودينه وأهله وأمنه وأمانه واستقراره ووحدته وسلامة أراضيه إن ربي سميع مجيب.

RSS
Follow by Email
Share
alsancak escort
kartal escort
Kamagra
Mrcasino