المظهر العام بين الواقع والمأمول – الحلقة الثالثة

مفاسد الاختلاط بين الجنسين ظاهرة للعيان

فلتتعاون جميع فئات المجتمع للنصح والبيان

والقيام بما أوجب عليهم ربهم الرحمن

في الحلقتين السابقتين استعرضت حال الواقع (المؤسف) للشارع والمظهر العام وبينت ما وصل إليه حال الكثيرات من الفتيات والفتيان من المجاهرة بالمخالفات، وظهور كثير من الممارسات، وتحدثت في الحلقة الأولى عن الحياء وأن فقده وانعدامه لدى الكثيرين هو من أهم الأسباب للواقع (المؤلم) الذي نعيشه، وفي الحلقة الثانية تحدثت عن الغيرة على الأعراض وهي: ذكرى لكل ولي أمر من أب أو زوج أو أخ أو غيرهم للقيام بما أوجبته عليهم الشريعة وما تقتضيه المروءة والرجولة مما يجب أن يكونوا عليه من حرصهم على فتياتهم ونسائهم والغيرة عليهن. وهذا الجانب ـ أيضًا ـ من الواضح جدًا أن فقده هو من أهم أسباب هذه المناظر (القبيحة) التي تجوب عاصمة البلاد ومدنها بل وكثير من قراها!! إلا من عصم الله ورحم من أهل العفة والغيرة والحياء.

وفي هذه الحلقة ألقي الضوء على جانب آخر مهم وهو جزء من (الواقع المؤلم) الذي آل إليه المظهر العام في بلادنا، وهو (الاختلاط بين الرجال والنساء)، بل بين (المراهقين والمراهقات)! فقد كان فيما مضى يدخل الطالب الجامعة وهو (رجل) قد وصل مرحلة من النضج وقد برز شاربه ولحيته، وفي هذا الزمان فإن الجامعة يدخلها كثير من الطلاب والطالبات وهم في سن السادسة عشرة أو السابعة عشرة، وهي المرحلة التي تلي البلوغ مباشرة وهي الذروة فيما يصطلح عليه التربويون بالمراهقة!! وحدّث عما يترتب على ذلك.

فإن من يدخل كثيرًا من جامعاتنا ومعاهدنا يرى مناظر يندى لها الجبين: شاب وشابة في مقعد منفرد، آخران تحت شجرة، آخران هناك، وآخران هناك، واختلط الحابل بالنابل في قاعات العلم والدراسة!! وكان من نتائج ذلك أن أصبحت أماكن العلم ملتقيات لعرض الأزياء أو أعظم من ذلك!! فانشغلت كثير من الفتيات بلبسهن ومجاراة الموضة ونزعت كثيرٌ منهن اللباس الذي كانت تلبسه عند أهلها وذويها ولبست لباسًا آخر!! وانشغل كثير من الشباب والفتيان بما ينتج من ذلك الاختلاط المشؤوم وما يستدعيه ، وكان من النتائج أن يتخرج طلاب وطالبات معهم شهادات، ولكن ليس معهم إلا القليل من العلم والمعلومات!! وهو الحد الأدنى للنجاح!! هذا إن لم يكن بدفعٍ وإعانات!! ولا أظن أني بحاجة إلى تعداد مفاسد هذا الاختلاط المشؤوم، فذلك معلوم للجاهل قبل العالم!! وللصغير قبل الكبير!! ولا ينكر ذلك إلا من يكابر ويعاند وينكر ضوء الشمس وهي في وسط النهار.

وإن من المؤسف أن بعض بلاد الغرب وعلى رأسها أم الشرور أمريكا توصلت إلى مفاسد التعليم المختلط!!وأضراره العديدة!! ولكن من يقنع الذيل والتابع ؟! فإنه لا يزال في قناعاته قابع!! وهذا يذكرنا بسقوط النظرية الشيوعية في بلادها روسيا، ورغم ذلك فلا يزال البعض يؤمن بتلك النظرية الاشتراكية الإلحادية الفاشلة بجدارة وقد عانت منها الشعوب الروسية ويلات العذاب!! وهم الآن من أكثر شعوب العالم فقرًا وهوانًا وضياعًا للأمن!! وصدق رسول الله غ الذي أخبر باتباع بعض هذه الأمة لليهود والنصارى، وبين أنهم سيتبعونهم تبعية (عمياء) فلو دخل اليهود والنصارى جحر ضب خرب لدخله هؤلاء الصنف من الناس، والعجيب أن تلك الأمم تخرج من بعض جحورها بعد دخولها فيه (لقناعات دنيوية فقط)، ويبقى من يتبعهم في داخل الجحر، بل ويدافع عن زبالات أفكار أولئك المغضوب عليهم والضالين!!

والواقع المؤلم لاختلاط الجنسين لا يقتصر على بعض الجامعات ودور العلم، وإنما هو في المؤسسات والشركات وكثير من أماكن العمل، إلا أنه في الجامعات أخذ شكلًا آخر وامتد للشوارع والمحطات، بل وامتدت مجالس المختلطين في الجامعة إلى خارجها فامتد إلى المطاعم والمقاهي!! بل وأماكن الشيشة!! بل وحتى على (بنابر) ستات الشاي!! فاللهم رحماك، ولطفك بنا، ولا تؤاخذنا يا رحيم بما فعل ويفعل السفهاء والمجرمون.

هذا شيء من الواقع!! فما المأمول؟

المأمول: ما أمر به الرسول غ.

عن أبي أسيد الأنصاري ت أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهَ غ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ المَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ غ لِلنِّسَاءِ: «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ»، يقول الراوي: «فَكَانَتِ المَرْأَةُ تَلتَصِقُ بِالجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ».

هذا هو المأمول، فليفقه ذلك دعاة الاختلاط والواقعون فيه.

وعن عقبة بن عامر ت أن رسول الله غ قال: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهَ أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ. قَالَ: «الحَمْوُ المَوْتُ» [رواه البخاري ومسلم].

فالنبي غ يقول ذلك ويوجه أمره وتحذيره لأفضل وأطهر وأزكى مجتمع، ولأناس هم أفضل البشر بعد الأنبياء، إنه مجتمع صحابته الكرام، الذين أثنى الله تعالى عليهم وزكاهم، وهم الذين جاءتهم البشرى بالجنة، رضي الله عنهم وأرضاهم.

فما بالك بمجتمع كثر فيه أبناء الزنا حتى خصصت لهم دورًا ترعاهم ؟!

وقال أبو داود في سننه: (باب: اعتزال النساء في المساجد عن الرجال) ثم ساق بسنده حديث ابن عمر ت قال: قال رسول الله غ: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا البَابَ لِلنِّسَاءِ».

فإن الذي حدد بابًا للنساء وأمر بعزل النساء عن الرجال، ونهى عن اقتراب النساء واختلاطهن بالرجال هو النبي غ، فقد قال: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا البَابَ لِلنِّسَاءِ» قَالَ نَافِعٌ مولى عبد الله بن عمر: «فَلَمْ يَدْخُل مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ».

وهم أهل العبادة والصلاح والقرآن والخوف من الرحمن، جاءهم هذا الأمر وهو توجيه لهم ولكل الأمة من بعدهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وتزداد الحاجة لهذا التشريع في واقعنا المؤلم الذي عجّت فيه كثير من الأماكن والشوارع بهذا الاختلاط المشين.

ثم قال أبو داود: (باب انْصِرَافِ النِّسَاءِ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنَ الصَّلاَةِ) ثم ساق بسنده حديث أم سلمة قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهَ غ إِذَا سَلَّمَ مَكَثَ قَلِيلًا وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ كَيْمَا يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ الرِّجَالِ».

وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة ت: أن النبي غ قال: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا».

قال النووي في شرحه لهذا الحديث: «وإنما فُضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال؛ لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذُم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم».

إن الاختلاط بين الرجال والنساء هو من أسوأ المصائب التي اُبتلي بها كثير من الناس، بل هو أصل كل بلية وشر!!

قال العلامة ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (الطرق الحكمية): «ولاريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة؛ كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين…» إلى أن قال ـ رحمه الله تعالى ـ: «فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية ـ قبل الدين ـ لكانوا أشد شيئًا منعًا لذلك».

إن من أهداف الإسلام بعد النساء عن الرجال، وإن المبدأ الإسلامي هو عزل الرجال عن النساء خلاف المبدأ الغربي الكافر الذي يريد أن يختلط النساء بالرجال، والذي انخدع به كثير من المسلمين اليوم، وصاروا لا يبالون باختلاط المرأة مع الرجال، بل يرون أن هذه هي الديمقراطية والتقدم، وفي الحقيقة أنها التأخر؛لأن اختلاط المرأة بالرجال هو إشباع لرغبة الرجل على حساب المرأة، فأين الديمقراطية كما يزعمون ؟! إن هذا هو الجور، أما العدل فأن تبقى المرأة مصونة محروسة لا يعبث بها الرجال، لا بالنظر ولا بالكلام ولا باللمس ولا بأي شيء يوجب الفتنة. لكن لضعف الإيمان والبعد عن تعاليم الإسلام صار هؤلاء المخدوعون منخدعين بما عليه الأمم الكافرة، ونحن نعلم بما تواتر عندنا أن الأمم الكافرة الآن تئن أنين المريض المدنف تحت وطأة هذه الأوضاع، وتود أن تتخلص من هذا الاختلاط، ولكنه لا يمكنها الآن فقد اتسع الخرق على الراقع.. لكن الذي يؤسف له أيضًا من يريد من المسلمين أن يلحقوا بركب هؤلاء الذين ينادون بما يسمونه الحرية،وهي في الحقيقة حرية هوى، لا حرية هدى، كما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:

هربوا من الرق الذي خلقوا له

 

 
  فبلـوا برق النفس والشيطـان

 

فالرق الذي خلقوا له هو: الرق لله عز وجل، بأن تكون عبدًا لله، هؤلاء هربوا منه، وبلوا برق النفس والشيطان، فصاروا الآن ينعقون ويخططون من أجل أن تكون المرأة والرجل على حد سواء في قاعة الدراسة وفي المكتب، وفي المتجر، وفي كل شيء، وإن الواجب أن يتلقى المسلم تعاليمه من كتاب الله وسنة رسول الله غ وهدي السلف الصالح، ونحن إذا رأينا تعاليم الشارع الحكيم محمد غ وجدنا أنه يسعى بكل ما يستطيع إلى إبعاد المرأة عن الرجل، فيبقى الرسول غ في مصلاه إذا سلم حتى ينصرف النساء من أجل عدم الاختلاط، هذا مع أن الناس في ذلك الوقت أطهر من الناس في أوقاتنا هذه، وأقوى إيمانًا، كما قال النبي غ: «خير الناس قرني ثم الذين الذين يلونهم ثم الذين يلونهم». [من الشرح الممتع على زاد المستقنع].

هذا هو المأمول فلتتعاون (كل) فئات هذا المجتمع لتحقيقه حتى نعيش في سعادة وأمن واستقرار ورخاء وليرضى عنا ربنا رب الأرض والسماء، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كما قال إمام دار الهجرة الإمام مالك بن انس رحمه الله.

ونواصل في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

RSS
Follow by Email
Share
alsancak escort
kartal escort
Kamagra
Mrcasino