شروط الخروج على الحاكم

 لا يجوز الخروج على الحاكم إلا إذا توفرت شروط محددة، وهذه الشروط تؤخذ من التوجيهات النبوية الكريمة والتي جاءت لتكفل وتحقق مقاصد شرعية معلومة وبالعمل بها تحقن الدماء المعصومة، وتحفظ الأعراض والمقدسات، ويتجنب كثير من الدمار وذهاب الأنفس المتوقع في الخروج،
وهذه من أجل مقاصد هذه الشريعة الإسلامية العظيمة، بل هي من مقاصد جميع الشرائع التي شرعها الله لخلقه.
وهذه الشروط هي: أن يُرَى الكفرُ، البواح، الذي فيه من الشرع برهان واضح وحجة، القدرة على تغييره وألا يكون مفسدة تغييره أعظم من مفسدة بقائه، كما ذكر بعضهم في الشروط أن البديل الذي هو أفضل .
وهذه الشروط أفادها أهل العلم من (التوجيهات الشرعية) ونشروها في كتبهم ومؤلفاتهم، والذي لا يغفل في هذا الباب (الخطير) أن الذي يقرر تحقق هذه الشروط أو عدم تحققها هم العلماء الربانيون العالمون بشرع الله وليست هي موكولة لـ (عامة الشعب) !! أو (شباب الاعتصامات والمسيرات) كما أن لأهل الحل والعقد مقامهم في ذلك وفي مقدمة أهل الحل والعقد علماء الشريعة الربانيين العالمين العاملين بعلمهم ..
نشراً للفائدة وللتوعية والتحذير من خطر المسالك المنحرفة في الموقف من الحاكم، ولبيان المنهج السليم الصحيح في هذه القضية أسوق شرحاً للعلامة الشيخ محمد العثيمين رحمه الله تعالى من شرحه لكتاب (رياض الصالحين)، قال رحمه الله :
(عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثره علينا..).
بايعنا أي بايع الصحابة رضي الله عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يعني لمن ولاه الله الأمر لأن الله تعالى قال” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، وقد سبق لنا بيان من هم أولوا الأمر وذكرنا أنهم طائفتان العلماء والأمراء كلهم ولاة أمور لكن العلماء أولياء أمر في العلم والبيان، وأما الأمراء فهم أولياء أمر في التنفيذ والسلطان يقول بايعناه على السمع والطاعة يستثنى من هذا معصية الله عز وجل فلا يبايع عليها أحد لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولهذا قال أبو بكر رضي الله عنه حين تولى الخلافة قال أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم فإذا أمر ولي الأمر بمعصية من المعاصي فإنه لا يجوز لأحد أن يسمع له أو يطيع لأن ملك الملوك رب العالمين عز وجل ولا يمكن أن يعصى رب العالمين لطاعة من هو مملوك مربوب لأن كل من سوى الله فإنهم مملكون لله عز وجل فكيف يقدم الإنسان طاعتهم على طاعة الله. إذن.. يستثنى من قوله السمع والطاعة ما دلت عليه النصوص من أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقوله في العسر واليسر يعني سواء أكنا معسرين في المال أو كنا موسرين يجب علينا جميعاً أغنيائنا وفقرائنا أن نطيع ولاة أمورنا ونسمع لهم وكذلك في منشطنا ومكرهنا يعني سواء أكنا كارهين لذلك لكونهم أمروا بما لا نهواه ولا نريده أو كنا نشيطين في ذلك لكونهم أمروا بما يلائمنا ويوافقنا، المهم أن نسمع ونطيع في كل حال إلا ما استثنى فيما سبق.
قال وأثرة علينا أثرة يعني استئثاراً علينا يعني لو كان ولاة الأمر يستأثرون على الرعية بالمال أو غيره مما يرفهون به أنفسهم ويحرمون من ولاهم الله عليهم فإنه يجب علينا السمع والطاعة .
لا نقول أنتم أكلتم الأموال وأفسدتموها وبذرتموها فلا نطيعكم، بل نقول سمعاً وطاعة لله رب العلمين ولو كان استئثار علينا ولو كنا نحن لا نسكن إلا الأكواخ ولا نفترش إلا الخلق من الفرش وأنتم تسكنون القصور وتتمتعون بأفضل الفرش لا يهمنا هذا لأن هذا كله متاع الدنيا وستزولون عنه أو يزول عنكم إما هذا أو هذا أما نحن فعلينا السمع والطاعة ولو وجدنا من يستأثر علينا من ولاة الأمور وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر أسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك واعلم أنك سوف تقتص منه يوم القيامة من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئات من ظلمهم ثم طرحت عليه ثم طرح في النار والعياذ بالله الأمر مضبوط ومحكم لا يضيع على الله شيء.
ثم قال وألا ننازع الأمر أهله يعني لا ننازع ولاة الأمور ما ولاهم الله علينا لنأخذ الإمرة منهم فإن هذه المنازعة توجب شراً كثيراً وفتناً عظيمة وتفرقاً بين المسلمين ولم يدم للأمة الإسلامية إلا منازعة الأمر أهله من عهد عثمان رضي الله عنه إلى يومنا هذا ما أفسد الناس إلا منازعة الأمر أهله .
قال إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ثلاثة شروط إذا رأينا هذا وتحت الشروط الثلاثة فحينئذ ننازع الأمر أهله ونحاول إزالتهم عن ولاية الأمر لكن بشروط ثلاثة:
الأول : أن تروا فلابد من علم.. مجرد الظن لا يجوز الخروج على الأئمة لابد أن نعلم .
الثاني: أن نعلم كفراً لا فسقاً الفسوق مهما فسق ولاة الأمور لا يجوز الخروج عليهم لو شربوا الخمر لو زنوا لو ظلموا الناس لا يجوز الخروج عليهم
لكن إذا رأينا كفراً صريحاً يكون بواحاً.
الثالث: الكفر والبواح وهذا معناه الكفر الصريح والبواح الشيء البين الظاهر فأما ما يحتمل التأويل فلا يجوز الخروج عليهم يعني لو قدرنا أنهم فعلوا شيئاً نرى أنه كفر لكن فيه احتمال أنه ليس بكفر فإنه يجوز أن ننازعهم أو نخرج عليهم ونولهم ما تولوا لكن إذا كان بواحاً صريحاً مثل لو أن ولى من ولاة الأمور قال لشعبه إن الخمر حلال أشربوا ما شئتم وإن اللواط حلال تلوطوا بما شئتم وإن الزنى حلال أزنوا بمن شئتم فهذا كفر بواح ما فيه إشكال هذا يجب على الرعية أن يزيلوه بكل وسيلة ولو بالقتل لأن هذا كفر بواح.
الشرط الرابع عندكم فيه من الله برهان يعني عندنا دليل قاطع على أن هذا كفر فإن كان الدليل ضعيفاً في ثبوته أو ضعيفاً في دلالته فإنه لايجوز الخروج عليهم .
لأن الخروج فيه شر كثير جداً ومفاسد عظيمة .
فهذه إن شئتم فقولوا ثلاثة شروط وإن شئتم فقولوا أربعة أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان هذه أربعة شروط .
وإذا رأينا هذا مثلاً فلا تجوز المنازعة حتى تكون لدينا قدرة على إزاحته فإن لم يكن لدينا قدرة فلا تجوز المنازعة لأنه ربما إذا نازعنا وليس عندنا قدرة يقضي على البقية الصالحة وتتم سيطرته فهذه الشروط شروط للجواز أو للوجوب وجوب الخروج على ولي الأمر لكن بشرط أن يكون لدينا قدرة .
فإن لم يكن لدينا قدرة فلا يجوز الخروج لأن هذا من إلقاء النفس في التهلكة،
أي فائدة إذا خرجنا على هذا الولي الذي رأينا عنده كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، ونحن لا نخرج إليه إلا بسكين المطبخ، وهو معه الدبابات والرشاشات ؟ ! !
لا فائدة، ومعنى هذا أننا خرجنا لنقتل أنفسنا، نعم لابد أن نتحيل بكل حيلة على القضاء عليه وعلى حكمه، لكن بالشروط الأربعة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام).انتهى كلام الشيخ العثيمين رحمه الله ..
أرجو أن يفيد من هذا البيان العلمي والتوضيح السديد كل من رغب في معرفة الحق والهدى، والسعيد من وعظ بغيره، واليوم نرى ما آل إليه الحال في سوريا وليبيا والعراق واليمن مما تتقطع له قلوب المؤمنين من القتل والتشريد وذهاب الأمن وتسلط الأعداء وفرار الشعوب من الحروب وطلبهم اللجوء من الدول القريبة والبعيدة.. “فاعتبروا يا أولي الأبصار”
أسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان ويكفي بلادنا الشر وأهله ودعاته .

RSS
Follow by Email
Share
alsancak escort
kartal escort
Kamagra
Mrcasino