توصيات المؤتمر الدولي (عالمية دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وآثارها الحميدة)

الحق الواضح

على عادة عمود (الحق الواضح) في إفادة قرائه بتوصيات المؤتمرات العلمية ، يطيب لي أن أطلعهم اليوم على توصيات مؤتمر علمي في قضية مهمة عقد يوم السبت قبل أمس بدولة الكويت ، وجاء بيانه الختامي كما يلي :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد، ففي يوم السبت الخامس عشر من شهر ربيع الثاني لسنة 1440هـ ، الموافق للثاني والعشرين من شهر ديسمبر سنة 2018م، انعقد بفضلِ من الله وتوفيقِه بدعوةٍ كريمةٍ من مؤسسةِ رافد للبحوث والدراسات المؤتمرُ الدوليّ: (عالميةُ دعوةِ الإمام المصلح محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وآثارُها الحميدة)، بمشاركة نخبةٍ من علماءِ أهل السنَّة والجماعة من بلاد مختلفة، وذلك في رحابِ دولة الكويت -حرسها الله- وأدام عليها توفيقَه وأمنَه أميراً وحكومةً وشعباً.
وإن المشاركين في المؤتمر بعد أن وفقهم الله تعالى إلى الاجتماعِ على هذا الموضوعِ المهمِ الذي تناول الدعوةَ الإصلاحيةَ التجديدية التي قام بها الإمامُ المصلحُ المجددُ شيخُ الإسلام محمدُ بن عبد الوهاب -رحمه الله وأجزل له الأجر والثواب- في القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية، وبعد استعراض أوراقِ العملِ ومناقشتِها، رأى المجتمعون إصدارَ هذا البيانَ الختامي، الذي يوضحُ حقيقةَ هذه الدعوة؛ ليُعرفَ فضلُها، ويُحفظَ للإمام محمدِ بن عبد الوهاب -غفر الله له- مقامُه، ولئلا يقولَ فيها قائلٌ ما ليس فيها فيصدَّ الناس عن الحق، وخلاصتُه في الآتي:
أولا: مقصدُ هذه الدعوةِ الإصلاحيةِ في ثلاثةِ أصولٍ مجمعٍ عليها إجماعاً قطعياً: إخلاصُ الدين لله وحده لا شريك، وتجريدُ الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والاجتماعُ على ذلك، فدعوةُ الإمام المصلحِ جاءت لجمعِ المسلمين لا لتفريقهم، حريصةً على جمع الكلمة ووحدةِ الصف، وقد كان الناسُ في زمانه مختلفين متفرقين، فجمع الله به كلمتَهم على الشريعة المحمدية، والملةِ المرضية، والعقيدةِ السلفية، ووحّد صفهم تحت ولاية شرعيةٍ، وإمامةٍ مهديةٍ، فحقّقَ بدعوته أعظمَ المقاصد الشرعية، قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، فكان من معالم دعوته -رحمه الله-: الدعوةُ إلى الجماعة والنهيُ عن الفرقة.
ثانياً: تعتمد الدعوةُ الإصلاحيةُ في مصادرها على الأصولِ المتفقِ عليها، وهي كتابُ الله: القرآنُ العظيم، وسنّةُ النبي صلى الله عليه وسلم، وإجماعُ العلماء، والقياسُ الصحيح، ويعتبرُ الإمامُ المصلح وعلماءُ الدعوة الإصلاحية بعده فهمَ السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم وأئمة الهدى والدين أساساً في فهمِ الأدلة وتفسيرها والاحتجاجِ بها، والعنايةُ بالصحيحين البخاري ومسلم وكتب الحديث المعتمدة، وكتبِ الفقه المعتمدة في المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
ثالثاً: يأخذ الإمام المصلحُ محمدُ بن عبد الوهاب وأتباعُه بما كان عليه السلف الصالح في الاعتقاد، وأما في الفروع فقد قامت دعوته على الفقه في الكتاب والسنّةِ، واحترامِ المذاهب الأربعة، وعدمِ الطعن في مذهب من مذاهب الأئمةِ المتبوعين، فهي مذاهب حقٍّ وهدى في نفسها، لكنَّ الصوابَ المطلقَ مع النبي ﷺ، وأما العلماء فمجتهدون، يصيبون ويخطئون، والصواب الكاملُ مع النبي ﷺ.
وبمعرفة هذه الأمور المتقدمة يتبين لكلِّ منصفٍ وطالبٍ للحق ما يلي:
أولاً: أنها دعوةٌ تجديديةٌ على منهاجِ النبوةِ؛ فشعارُها ودثارُها الإسلامُ الخالصُ، والاتباعُ الصادقُ في العقيدة والشريعة والمنهج والسلوك، وهي دعوةٌ سنّيةٌ سلفيةٌ لأنها قامت على أصولِ أهل السنَّةِ والجماعة، واتبعتْ منهجَهم حذوَ القذةِ بالقذة، في الأصول والفروع، والتأصيلِ والتطبيقِ، ومسائلِ الإجماعِ والاجتهاد؛ ولهذا لم يُؤثر عن الإمام المصلح خروجٌ عن هذا المنهج، ولم يثبتْ عنه تناقضٌ ولا تحريفٌ، بل العلمُ والصدقُ والأمانةُ فيما أصّل وقرّرَ وأجاب وأفتى وحكم وردَّ، وقد قامت دعوتُه على ما أجمع عليه العلماء، دون ما اختلفوا فيه.
ثانياً: أن انتماءَها انتماءٌ شرعيٌّ؛ لقيامها على الأصولِ الشرعية، ولكونها تجديداً للدين، ونشراً لدعوةِ الإسلامِ، فليست دعوةً حزبيةً ولا عصبيةً ولا قطريةً ولا جنسيةً ولا قوميةً، بل هي دعوةٌ إسلاميةٌ سنّيةٌ سلفيةٌ صِرفةٌ، تدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه وأئمةُ الهدى والدين ممن سلك سبيلهم واقتفى أثرهم.
ثالثاً: وسطيةُ الدعوة، ومفاصلتُها لسبيل الغلاةِ أهلِ الإفراطِ، وسبيلِ الجفاةِ أهلِ التفريطِ، في كلِّ أبوابِ الدين؛ ولهذا كان الإمامُ المصلحُ وأتباعه ينكرون على المرجئةِ الذين أخرجوا العمل عن حقيقة الإيمان، وزعموا صحةَ الإيمانِ بالقولِ والاعتقادِ أو بأحدِهما دون العمل، كما ينكرون على الخوارجِ غلوَّهم في تكفيرِ المسلمين بارتكاب الكبائر، وتبديعِهم، وتفسيقِهم بغير حق، وأنكروا على المتصوفةِ غلوَّهم في الأشخاص حتى جعلوهم بينهم وبين الله في تلقّي الشرعِ عن الله بالكشوفات أو الفيوضات أو المنامات، وبينهم وبين الله وسائطَ في رفعِ العملِ وقبولِه، كما أنكروا على غيرهم ممن خرج عن الصراطِ المستقيمِ الذي بيَّنه اللهُ في كتابه وعلى لسان رسولهِ الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه.
رابعاً: لقد قرأ المنصفون من أهل العلم، في كتبِ الإمامِ المصلحِ محمدِ بن عبدالوهاب وعلماءِ الدعوة الإصلاحية النجدية، فلم يروْ حكماً إلا مقروناً بدليله الشرعي، ولم يجدوا فيها إلا دعوةً إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتجرداً عن الدعوة إلى النفس أو إلى إمامٍ أو عالمٍ أو حزبٍ، قرأوا فلم يقفوا إلا على استشهادٍ بالآيات والأحاديث والآثارِ، والنقلِ عن العلماءِ المحققين، والاستنباطِ المنضبطِ الجاري على سَننِ العلماء، قرأوا فلم يروا إلا تقريراً للسنّةِ، وتعظيمًا لها، وانتصارًا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، أو ردّاً لبدعةٍ محدثةٍ ليس عليها أثارةٌ من علم؛ لهذا لم يكن أَمام المنصفِ إلا الاعترافُ بفضلها، والشهادةُ بتأثيرها التأثيرَ الإيجابيَّ، الذي هو إعادةُ الأمةِ إلى ما كان عليه الصدر الأول.
خامساً: يدعو المجتمعون أهلَ العلم وطلابَه إلى الاقتداءِ بهذا الإمامِ المصلحِ في بذلِ الجهد، وعَمرِ الليالي والأيام بالدعوةِ إلى الله على علمٍ وبصيرةٍ، والحرصِ على اجتماع المسلمين على كلمة الحق، والبعدِ عن كل ما يفرق الصف، أو يثيرُ الفتنةَ، أو يؤسسُ لضلالةٍ، كما يدعون -في الوقت نفسه- إلى توقيرِ هذا الإمام المصلحِ والدفاعِ عن دعوته وعِرضهِ الذي استطال فيه كثيرٌ من الناس بغير حق، ورموه بغيرِ علم، كما هو الشأنُ في الدفاع عن كل عالمٍ يدعو إلى الكتاب والسنَّة.
سادساً: ويُذكِّرُ المجتمعون كلَّ من أراد الكلامَ في الإمامِ المصلحِ محمدِ بن عبد الوهاب ودعوته: الوقوفَ بين يدي الله في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنونَ إلا من أتى الله بقلب سليم؛ لئلا يتكلم إلا بعلمٍ وعدلٍ، و لئلا يقلبَ الحقائقَ فيصيّرَ الحقَّ باطلاً، ولئلا يُخرجَ غضبَه لنفسه أو عُصبتِه في قالبِ الغضبِ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى لا يجترأَ سفهاءُ الأمةِ على علمائِها الربانيين، الذين مضوا إلى الله بعد أن أفنوا أعمارَهم في نشرِ ميراث النبوةِ بالحكمة والموعظة الحسنة، مع الرفقِ بالناس ورحمتِهم والصبرِ عليهم.
سابعاً: يؤكّدُ المجتمعون على بطلان كثيرٍ من الدعاوى الملفقةِ على هذه الدعوة التجديديةِ، التي تفوّه بها من كان جاهلاً بالدعوة، أو جاهلاً بالحق، أو مغلوباً لهواه ومصالحِه؛ كنسبتهم إلى الإمام المصلحِ أنه يدعي الاجتهادَ المطلقَ، أو أن ما جاء به هو خامسُ المذاهب الأربعة، أو أنه ينتحلُ عقيدةَ الخوارج، أو لا يُعظِّمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أو يكفِّرُ الأمةَ ويستحلُّ دماءَهم، إلى غيرها من الافتراءات القديمة المتجددة.
ثامناً: يُؤكّدُ المجتمعون على براءةِ دعوةِ الإمامِ المصلحِ محمدِ بن عبد الوهاب من جماعات الغلو والتكفير المعاصرة الذين كفَّروا الأمةَ وضلّلوها واستباحوا الدماءَ والأموالَ والأعراضَ؛ لمنافاة أصولِ الدعوة وواقعِها لما عليه هؤلاء الخوارج.
تاسعاً: يستنهض المشاركون في المؤتمر هممَ أهلِ العلم ببذل كل جهد ممكنٍ في نشر دعوةِ التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، ونشرِ معالمِ السنَّة النبوية، ومحاربةِ الشرك بجميع صوره وأنواعه، والردِّ على الشبهات التي تثار على الإسلام وأئمتهِ، وبذلِ النصيحةِ لأئمةِ المسلمين وعامتهم، ولزوم جماعتهم.
وعلى كافة المسلمين أن يعلموا أن أعظمَ سببٍ لتحقيق الأمن وجمعِ الكلمةِ ووحدةِ الصف هو تحقيقُ التوحيدِ الخالصِ لله تعالى، وإفرادِ العبادة له وحده لا شريك له، واجتنابِ الشرك ومنعِ مظاهره، قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).
كما يؤكد المجتمعون على أن التذكير بدعوة الإمامِ المصلحِ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وبيانَ آثارها الحميدة، ليس تعصباً لشخصه، ولا لبلده، بل لما قام به من الدعوةِ إلى التوحيدِ والسنَّة، كما قام غيرُه من أئمة الإسلام، فدعوتُه دعوةُ الرسل جميعهم، من قام بها نصره الله وأيّده، ومن تركها وخذلَها أذلَّه الله، قال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره)، والله ناصرُها بعِزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذليلٍ، والهدى واضحٌ وبيّنٌ، والحقُّ قديمٌ ومنصورٌ بنصر الله، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة»، فلا يظنُّ ظانٌّ أنه مع قلةِ النصير والمعين أن يُدال على الحقِّ وأهله، ولا يَستوحش من قلةِ السالكين، ولْيَتمسكْ بالكتاب والسنَّة وفقَ فهمِ الصحابة والتابعين، وليسألْ ربه قانتاً أن يتوفاه الله على ذلك.
كما يوصي المجتمعون بإنشاء مركزٍ متخصصٍ يُعنى بعلوم الإمام المصلح محمد بن عبد الوهاب، وإبراز جهوده العظيمة، والردّ على افتراءات أهل الزيغ والريب، يوكلُ إلى علماء متخصصين، نصرةً للحقِّ وأهله، وردّاً للباطل وشبهه.

RSS
Follow by Email
Share
alsancak escort
kartal escort
Kamagra
Mrcasino