الطالب الجامعي و(المُناكَفَات السِّياسِيَّة)

إن من أسباب ضياع العلم في جامعاتنا، انشغال كثيرٍ من الطلاب بــ(المناكفات السياسية) وأركان النقاش التي تدور في فلك العنف السياسي.. الذي يبدأ (لفظيّاً) ثم ما يلبث أن يكون (يدويّاً)!.
يا تُرى ما هي النتائج الحالية والمستقبلية من هذه الممارسات ؟! وما هي مهمة وجود الطالب في الجامعة؟! ولماذا أتى إليها أو – على الأصح – أتى به أهله إليها؟! وبماذا سيخرج منها ؟!
وما الأهداف التربوية والتعليمية والمهارية التي يجب أن تتحقّق فيه بها في فترة دراسته الجامعية ؟!
من يرغب في الإجابة عن هذه الأسئلة بناء على الواقع الذي تعيشه كثير من الجامعات، سيجد نفسه أمام جملة من المآسي، إذ تقام أركان نقاش تستمر لمدة ساعات طوال يترك في تلك الساعات مجموعة من الطلاب المحاضرات والدروس التي هي من الواجب العيني المتحتّم عليهم، ويتكرّر غياب أولئك الطلاب في الفصل الواحد لساعات كثيرة، ويتسبّب غيابهم المتكرر في تضييع أساسيات في العلم والمهارات الواجب تحقيقها من خلال مفردات المقرر، وقد يتسبّب أحياناً الغياب بتلك الأسباب لحرمان الطلاب من المقرر ورسوبهم فيه بناء على تجاوز القدر المسموح به، وبالتالي يكون الطالب قد فشل في أمر هو واجب عليه ومسؤول عنه ويتضرّر وتتضرّر أسرته بسبب ذلك في الحال والمآل.
إنّ من مفاسد أركان النقاش التي تعقد في ساحات الجامعات أثناء أوقات المحاضرات إضعاف جوانب (تربوية) يجب تحقيقها وإكسابها للطالب في فترة دراسته الجامعية، فالجديّة والعناية بالمقررات الدراسية وحضور المحاضرات والإفادة من خبرات الأستاذ المتخصص وتجربته ومتابعة سلوكه وتقديم الأهم قبل المهم.. هذه وغيرها (قيم تربوية) يجب العناية بها والتدرب عليها والالتزام بها والاجتهاد في تحقيقها، وهدم هذه القيم بممارسة الفوضى وعدم العناية والغياب لمثل هذه الأمور هو مما يربي الطالب على أمور سلبية يتضرر منها في الحال والمآل وتتضرر منها أسرته ومجتمعه.
إن مفاسد (المناكفات السياسية) للطلاب الجامعيين واضحة لكل ذي عينين خاصة في بلادنا، فضررها في جانب التحصيل العلمي لدى الطلاب وإشغالهم عن حضور المحاضرات ودخول المكتبات والعناية بالبحوث العلمية ومراجعة الأساتذة وأخذ أكبر قدر من المعلومات والتجارب منهم هو الواقع لدى الطلاب المنشغلين بها، وإذا نظرنا إلى واجبات الطالب خلال فترة دراسته الجامعية فسنجد أنها تنحصر في: الكسب المعرفي والمهاري والأخلاقي والتربوي، فيتحقق بالمعلومات والمعارف الضرورية في تخصصه، ويتقن المهارات التي خطّط لها ليحققها من خلال مقررات لها أهداف ووسائل محددة، ويتربى على حسن الأخلاق وطيب التواصل ليكون مواطناً صالحاً نافعاً لنفسه وأهله ومجتمعه، يسدّ الثغرة التي تخصّص فيها، إلا أن كثيراً من الطلاب يشغل نفسه فترة دراسته الجامعية بالعمل السياسي ويفني ساعات الدراسة التي تمر سريعاً بأمور ليس هو مسؤولاً عنها وليس مؤهلاً للحديث فيها، ولا يملك الإصلاح فيها بغض النظر عن مفهومه وصواب رأيه أم خطئه، وقد يكون هذا النوع من الطلاب هو ضحية لجهات تستخدمهم وهي خارج الجامعات فتدير تحركاتهم وتتفرّج على مآلاتهم، حتى إذا تخرّج هذا النوع من الطلاب وسألتهم عن أساسيات و(أبجديات) في تخصصه وجدته أجهل من العامي الذي لم يدرس شيئاً !!
وأسوأ مفاسد (المناكفات السياسية) في الجامعات، هو إثارة البغضاء والجدال العقيم والحقد الذي يصل للكيد والضرب بالأيدي ثم القتل!! للأسف الشديد، فمن المفيد ومن الخاسر في ذلك؟! إن الجميع خاسرٌ بلا شك، القاتل والمقتول، والضارب والمضروب، والشاتم والمشتوم، وما هي النتائج المرجوّة من تلك المناقشات وهذا مصير بعضها؟! ومؤسف جداً أن تقع قبل يومين جريمة قتل في إحدى جامعاتنا في شهر رجب (الفرد) !! رجب (المحرّم)..!! الذي كان أهل الجاهلية قبل الإسلام يعظمونه ويمتنعون فيه وفي غيره من الأشهر الحرم عن القتال، فرحم الله المتوفّى وأحسن عزاء أهله وزملائه، وأسأل الله أن يشفى المرضى، لكن ماذا ينتظر القائمون على الجامعات وهذه بعض نتائج السماح لشباب وهم في هذه السن بالتلاسن والجدال والمناقشات السياسية وغير ذلك من الأمور التي تتناقض مع المهام الأساسية والضرورية لتلك الجامعات والكليات وتتعارض مع أهداف التعليم والتربية؟!! ماذا ينتظرون والبيئة الجامعية تئن وتصرخ وتستغيث لإيقاف هذه المهازل التي تتناقض مع أساسيات وضروريات دور كلياته ومؤسساته وقاعاته ومكتباته المنشود؟!!
ولطالما تحدّثت عن أحد أسباب إضاعة العلم في جامعاتنا، فأشير إلى سبب آخر؛ بل مأساة أخرى من المآسي التي تعيشها البيئة الجامعية في كثير من جامعاتنا!! إذ يئن منها ويصرخ ويستغيث، إنها مأساة الاختلاط المحرّم فيها وما يتبعه وما يترتب عليه!! فهي مأساة تتفطّر لها قلوب الغيورين وأهل المروءة والفضيلة.. فهي الشر المستطير والداء الوبيل؛ بل هي السرطان المدمّر.. لو كانوا يعلمون ..وحسبي إشارة، والقارئ الكريم يعرف الكثير من آثار الاختلاط في الجامعات وما ترتّب عليه مما تتناقل أخباره الموجعة المفجعة الألسن في القرى والحضر..
والنتيجة من هذا السبب أو ذاك، خريج هزيل علمياً!! فاشل أخلاقياً!! معاق عقليّاً!! يحملُ المجتمع همّه في وقت هو أشدّ ما يكون فيه المجتمع بحاجة إلى من يحملون همَّه.. وفي الوقت الذي ينتظر ويحلم فيه الوطن الجريح بأن ينوي هذا الخريج أن يسهم في بنائه ويسدّ له الديْن المستحق، يصاب بخيبة أمل من هذا الخريج قبل عمله الذي هو أسوأ من نيته..
ومن مظاهر الفشل الأخلاقي والسلوكي الذي ظهر على خريجينا في الفترة الأخيرة أن بعضهم بات أهم شيء عنده – تعبيراً عن فرحته بتخرّجه – أن يحتفل ويرقص في حفل التخريج على أنغام (ست الدّلوكة!!) وزاد المتأخِّرون منهم: وأن يفلفل شعر رأسه وأن يصبغ يديه بــ)الحناء)..!! وأن ترسم زميلته (الحناء).. رسماً..!! ولا أدري في أي (مستنقع) سيتوقف الهدم المدمّر، والطوفان المهلك !!
ووسط هذه الفوضى الأخلاقية.. هناك من يقبض على الجمر.. ويرفع رأسه فخراً بما هداه الله إليه من عناية بالعلم وتزوّد بالخلق واستقامة على الدين.. فهنيئاً لهم.. وثبّتهم الله وهم يعيشون غربة حقيقية وهم في قلب ديار الإسلام..

RSS
Follow by Email
Share
alsancak escort
kartal escort
Kamagra
Mrcasino